فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل من طريق الحسن. أن رجلًا من محارب يقال له غورث بن الحارث قال لقومه: أقتل لكم محمدًا؟ قالوا له: كيف تقتله؟! فقال: أفتك به، فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره فقال: يا محمد، أنظر إلى سيفك هذا، قال: نعم، فأخذه فاستله وجعل يهزه ويهم فيكبته الله فقال: يا محمد، ما تخافني وفي يدي السيف؟ ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {يا أيها الذين أمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ همَّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفَّ أيديهم عنكم...} الآية.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس قال: «إن عمرو بن أمية الضمري حين انصرف من بئر معونة، لقي رجلين كلابيين معهما أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتلهما ولم يعلم أم معهما أمانًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ومعه أبو بكر وعمر وعلي، فتلقاه بنو النضير فقالوا: مرحبا. يا أبا القاسم، لماذا جئت؟ قال: رجل من أصحابي قتل رجلين من بني كلاب معهما أمان مني، طلب مني ديتهما، فأريد أن تعينوني. قالوا: نعم، أقعد حتى نجمع لك. فقعد تحت الحصن وأبو بكر وعمر وعلي، وقد تآمر بنو النضير أن يطرحوا عليه حجرًا، فجاء جبريل فاخبره بما هموا به، فقام بمن معه، وأنزل الله: {يا أيها الذين أمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم...} الآية».
وأخرج أبو نعيم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس. نحوه.
وأخرج أيضًا عن عروة، وزاد بعد نزول الآية «وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلائهم لما أرادوا، فأمرهم أن يخرجوا من ديارهم. قالوا: إلى أين؟ قال: إلى الحشر».
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله ابن أبي بكر قالا: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم على دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري، فلما جاءهم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا محمدًا أقرب منه الآن، فمروا رجلًا يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه. فقال عمر بن جحاش بن كعب: أنا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فانصرف، فأنزل الله فيهم، وفيما أراد هو وقومه {يا أيها الذين أمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم...}».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} قال: هم يهود. دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطًا لهم وأصحابه من وراء جداره، فاستعانهم في مغرم في دية غرمها، ثم قام من عندهم فائتمروا بينهم بقتله، فخرج يمشي القهقرى معترضًا ينظر إليهم، ثم دعا أصحابه رجلًا رجلًا حتى تقاوموا إليه.
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن زياد قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير يستعينهم في عقل أصابه ومعه أبو بكر وعمر وعلي، فقال «أعينوني في عقل أصابني. فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قد آن لك تأتينا وتسألنا حاجة، اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينتظرونه، وجاء حيي بن أخطب فقال حيي لأصحابه: لا ترونه أقرب منه الآن، اطرحوا عليه حجارة فاقتلوه ولا ترون شرًا أبدًا، فجاؤوا إلى رحى لهم عظيمة ليطرحوها عليه، فأمسك الله عنها أيديهم حتى جاءه جبريل فأقامه من بينهم، فأنزل الله: {يا أيها الذين أمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم...} الآية. فأخبر الله نبيه ما أرادوا».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق السدي عن أبي مالك في الآية قال: نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه حين أرادوا أن يغروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال «بعث النبي صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أحد النقباء ليلة العقبة في ثلاثين راكبًا من المهاجرين والأنصار إلى غطفان، فالتقوا على ماء من مياه عامر فاقتتلوا، فقتل المنذر ابن عمرو وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم، فلم يرعهم إلا والطير تجول في جوّ السماء يسقط من خراطيمها علق الدم، فقالوا قتل أصحابنا والرحمن. فانطلق رجل منهم فلقي رجلًا، فاختلفا ضربتين فلما خالطه الضربة رفع طرفه إلى السماء، ثم رفع عينيه، فقال: الله أكبر!... الجنة ورب العالمين، وكان يرعى أعنق ليموت، فانطلق صاحباه فلقيا رجلين من بني سليم فانتسبا لهما إلى بني عامر فقتلاهما، وكان بينهما وبين النبي صلى الله عليه وسلم موادعة، فقدم قومهما على النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون عقلهما، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف، حتى دخلوا على بني النضير يستعينونهم في عقلهما، فقالوا: نعم. فاجتمعت يهود على أن يقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فاعتلوا له بصنعة الطعام، فلما أتاه جبريل بالذي أجمع له يهود من الغدر خرج، ثم أعاد عليًا فقال: لا تبرح من مكانك هذا، فمن مر بك من أصحابي فسألك عني فقل: وجه إلى المدينة فأدركوه، فجعلوا يمرون على علي فيقول لهم الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى عليه آخرهم، ثم تبعهم ففي ذلك أنزلت {إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} حتى {ولا تزال تطلع على خائنة منهم}».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه الآية قال «إن قومًا من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه طعامًا ليقتلوه، فأوحى الله إليه بشأنهم فلم يأت الطعام، وأمر أصحابه فلم يأتوه».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال «ذكر لنا أنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخل في الغزوة الثانية، فأراد بنو ثعلبة وبنو محارب ان يفتكوا به، فأطلعه الله على ذلك، ذكر لنا أن رجلًا انتدب لقتله، فأتى نبي الله صلى الله عليه وسلم وسيفه موضوع، فقال: آخذه يا رسول الله؟ قال: خذه. قال: استله؟ قال: نعم. فاستله فقال: من يمنعك مني؟ قال: الله يمنعني منك، فهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأغلظوا له القول فشام السيف، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرحيل، فأنزلت عليه صلاة الخوف عند ذلك». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
وقوله تعالى: {عَلَيْكُمْ}: يجوزُ أَنْ يتعلَّق ب {نعمة} وأن يتعلق بمحذوفٍ على أنه حالٌ منها. و{إذ هم} ظرفٌ، ناصبُه النعمة أيضًا أي: اذكروا نعمته عليكم في وقتِ هَمِّهم، ويجوز أن يتعلقَ هذا الظرفُ بما تعلّق به {عليكم} إذا جعلتَه حالًا من {نعمة}، ولا يجوزُ أَنْ يكون منصوبًا ب {اذكروا} لتنافي زمنيهما، فإنَّ {إذ} للمضي، و{اذكروا} مستقبل. و{أن يَبْسُطوا} على إسقاط الباء أي: هَمُّوا بأن يبسطوا، ففي موضع {أَنْ} الخلافُ المشهور. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}.
يذكِّرهم ما سلف لهم من نِعَم الدفع وهو ما قصر عنهم أيدي الأعداء، وذلك من أمارات العناية. ولقد بالغ في الإحسان إليك مَنْ كان يُظْهر لك الغيبَ من غير التماسٍ أو سَبْق شفاعة فيك، أو رجاءِ نفع من المستأنف منك، أو حصول ربحٍ في الحال عليك، أو وجود حق في المستأنف لك.
ثم قال: {وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ} يعني كما أحسنت إليكم في السالف من غير استحقاق فانتظروا جميل إحساني في الغابر من غير استيجاب. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: سماع اسم الله وهو من صفات الهيبة يوجب الفناء والغيبة، وسماع الرحمن الرحيم وهما من صفات اللطف يورث البقاء والقربة {أوفوا} أيها العشاق {بالعقود} التي جرت بيننا يوم الميثاق ليوم التلاق. فمن صبر على عهوده فقد فاز بمقصوده عند بذل وجوده {أحلت لكم} ذبح {بهيمة} النفس التي كالأنعام في طلب المرام إلا النفس المطمئنة التي تليت عليها {ارجعي إلى ربك} [الفجر: 28] فتنفرت من الدنيا بما فيها فهي كالصيد في الحرم {وأنتم حرم} بالتوجه إلى كعبة الوصال وإحرام الشوق إلى حضرة الجمال والجلال {إن الله يحكم ما يريد} لمن يريد فيأمر بذبح النفس إذا كانت متصفة بصفة البهيمة وبترك ذبحها إذا كانت مطمئنة بذكر الحق ومتسمة بسمات الملك. ثم أخبر عن تعظيم الشعائر من صدق الضمائر فقال: {يا أيها الذين آمنوا} بشهود القلوب فقصدوا زيارة المحبوب وخرجوا عن أوطان الأوطار وسافروا عن ديار الأغيار {لا تحلوا} معالم الدين والشريعة ومواسم آداب الطريقة والحقيقة، وعظموا الزمان والمكان والإخوان القاصدين كعبة الوصول إلى الرحمن الذين أهدوا للقربان نفوسهم وقلدوها بلحاء الشجرة الطيبة ليأمنوا عن مكر الأعداء الخبيثة {وإذا حللتم} أتممتم مناسك الوصول {فاصطادوا} أرباب الطلب بشبكة الدعوة إلى الله، ولا يحملنكم حسد الحساد الذين يريدون أن يصدّوكم عن الحق على أن تعتدوا على الطالبين فتكونوا قطاع الطريق عليهم في طلب الحق. {حرمت عليكم} يا أهل الحق {الميتة} وهي الدنيا بأسرها {والدم ولحم الخنزير} أي حلالها وحرامها قليلها وكثيرها لأن من الدم ما هو حلال والخنزير كله حرام والدم بالنسبة إلى اللحم قليل {وما أهل به} أي كل طاعة هي {لغير الله والمنخنقة والموقوذة} يعني الذين يخنقون أنفسهم بالمجاهدات ويقذونها بالرياضات رياء وسمعة {والمتردية والنطيحة} الذين يتردون أنفسهم إلى أسفل سافلي الطبيعة بالتناطح مع الأقران والتفاخر بالعلم والزهد بين الإخوان {وما أكل السبع} الظلمة المتهارشون في جيفة الدنيا تهارش الكلاب {إلاّ ما ذكيتم} بالكسب الحلال ووجه صالح بقدر ضرورة الحال {وما ذبح على النصب} ما تذبح عليه النفوس من المطالب الفانية {وأن تستقسموا بالأزلام} أي أن تكونوا مترددين في طلب المرام، فإذا انتهيتم عن هذه المناهي وتخلصتم عن هذه الدواهي فقد عاد ليكلم نهارًا وظلمتكم أنوارًا. {اليوم يئس الذين كفروا} من النفس وصفاتها والدنيا وشهواتها {من دينكم فلا تخشوهم واخشون} فإن كيدي متين {اليوم} أي في الأزل {أكملت لكم دينكم} ولكن ظهر الأمر في حجة الوداع يوم عرفة {وأتممت عليكم نعمتي} وهي أسباب تحصيل الكمال ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم {فمن اضطر} فمن ابتلى بالتفات لشيء من الدنيا والآخرة غير مائل إليه للإعراض عن الحق ولكن من فترة للطالبين أو وقفة للسالكين {يسئلونك ماذا أحل} لأرباب السلوك إذا الدنيا حرام على أهل الآخرة والآخرة حرام على أهل الدنيا وهما حرام على أهل الله الطيبات كل مأكول ومشروب وملبوس يكون سببًا للقيام بأداء الحقوق {فكلوا مما أمسكن عليكم} تناولوا ما اصطادت النفوس المطمئنة المعلمة بعلوم الشريعة المؤدبة بآداب الطريقة كمالية الدين الأزلية وهو يوم {واذكروا} عند تناول كل ما ورد عليكم من الأمور الدنيوية والأخروية {اسم الله} أي لا تصرفوا فيه إلاّ لله بالله في الله: {اليوم} يعني الذي فيه ظهر كمالية الدين الأزلية وهو يوم عرفة. وهذه فائدة التكرار {أحل لكم الطيبات} {أحل لكم الطيبات} التي تتعلق بسعادة الدارين بل أحل لكم التخلق بالأخلاق الطيبات وهي أخلاق الله المنزهات عن الكميات والكيفيات {وطعام الذين أوتوا الكتاب} وهم الأنبياء {حل لكم} أي غذيتم بلبان الولاية كما غذوا بلبان النبوة {وطعامكم حل لهم} أي منبع لبن النبوة والولاية واحد وإن كان الثدي اثنين {قد علم كل أناس مشربهم} [البقرة: 60] وللنبي وراء ذلك كله مشرب «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» {والمحصنات من المؤمنات} وهي أبكار حقائق القرآن {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} أبكار حقائق الكتب المنزلة على الأمم السالفة أي التي أدرجت في القرآن {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين} [السجدة: 17] {إذا آتيتموهن أجورهن} وهي بذل الوجود محصنين في هذا البذل ليكون على وجه الحق {غير مسافحين} على وجه الطبع {ولا متخذي أخدان} غير ملتفتين إلى شيء من الأكوان {ومن يكفر بالإيمان} بهذ المقامات {فقد حبط عمله} الذي عمل من دون المكاشفات {يا أيها الذين آمنوا} إيمانًا حقيقيًا عند خطاب ألست بربكم {إذا قمتم} من نوم الغفلة {إلى الصلاة} وهي معراجكم للرجوع إلى مكامن قربكم {فاغسلوا وجوهكم} التي توجهتم بها إلى الدنيا ولطختموها بالنظر إلى الأغيار بماء التوبة والاستغفار {وأيديكم إلى المرافق} أي اغسلوا أيديكم من التمسك بالدارين حتى الصديق الموافق والرفيق المرافق {وامسحوا برؤسكم} ببذل نفوسكم {وأرجلكم إلى الكعبين} من طين طبيعتكم والقيام بأنانيتكم {ولا يجرمنكم} ولا يحملنكم حسد الحساد وعداوة الأنذال {على أن لا تعدلوا} مع أنفسكم {إذ هم قوم} من الشيطان والنفس والهوى {أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم} والله خير موفق ومعين. اهـ.